تجربة سجن ستانفورد
كتير بنسمع ان السلطة او المناصب بتغير، بس عمرك فكرت في معنى الموضوع ده؟
ليه دايمًا الانسان لما بيتدرج في المناصب في أي مكان بيعامل اللي تحته او اللي مسؤول عنهم بدونية أغلب الوقت؟
ليه بيحب يمارس سلطته بأسوأ الطرق؟
هل ده معناه ان الانسان بطبعه فيه جزء شرير مستعد دايمًا للأذية لو اتيحت ليه الفرصة، ولو مكانش عليه رقيب ولا حسيب؟
الأسئلة دي كلها فكر فيها دكتور علم النفس (فيليب زمباردو)، وكان أقرب مثال فكر فيه هو بيئة السجن، وازاي حراس السجن بيمارسوا سلطتهم على المساجين بايذائهم واهانتهم مع انهم في الأول وفي الأخر بشر زيهم، وليه المساجين بيسكتوا ومبيحاولوش ياخدوا حقهم.
(زمباردو) قرر انه يعمل تجربة نفسية يقيس بيها مدى تأثير بيئة السجن على سلوك الانسان..
وبالفعل بدأ انه ينشر في الجرايد ان محتاج متطوعين شبان أعمارهم بتطراوح من 17 ل 25 سنة عشان يشاركوا في التجربة بمقابل مادي 15 دولار، ولمدة أسبوعين.
وقدم في التجربة دي، 70 شاب، تم اختيار 24 منهم للمشاركة بعد التأكد انهم سُلام تمامًا من أي مشاكل أو أمراض نفسية..
وبعد كدة ال 24 دول اتقسموا مجموعتين، حراس ومساجين، والتوزيعة تمت بطريقة عشوائية جدًا عن طريق رمي قطعة نقدية.
الحراس دورهم كان انهم يحافظوا على استقرار بيئة السجن وحفظ نظامه، والحرص على ضبط المساجين، بس كان عندهم شرط واحد ممنوع منعًا باتًا، وهو الايذاء الجسدي..
أما المساجين فكانوا متوقعين ان دورهم يكون غاية في البساطة، وانهم هياخدوا فلوس من غير ما يعملوا أي حاجة لمدة أسبوعين..
بس الموضوع مكانش بالسهولة والبساطة دي..
في يوم من أيام شهر أغسطس الحارقة، الشرطة قبضت على مجموعة من الشباب بتهمة السرقة والسطو المسلح، وتم اتخاذ جميع الإجراءات معاهم لحد وصولهم للسجن..
والسجن كان قبو جامعة ستانفورد واللي تمت تهيئته بالكامل عشان يحاكي بيئة السجون الحقيقة، فتم تجهيز 3 زنازين، وممر صغير اعتبروه ساحة السجن، وغرفة صغيرة جدًا اتسمت بالحفرة وكانت للحبس الانفرادي..
المساجين واللي كان عددهم 9 وصلوا السجن، وكان الحراس و(زمباردو) في استقبالهم، واللي كان قرر انه يقوم بمهمة مأمور السجن.
في البداية، المساجين اتوزع عليهم لبس اشبه بالفساتين، وشراب شفاف يلبسوه فوق راسهم، واتفاجؤوا بسلسلة حديدية غليظة اتربطت حوالين رجلهم، وكمان اتوزع عليهم ارقام ودي كانت عبارة عن اسمهم اللي هيلازمهم لمدة أسبوعين.
(زمباردو) عمل كل ده عشان يجرد المساجين من هوياتهم تمامًا، ويحسسهم ببيئة السجن، فلما المساجين يناموا ويحسوا بالسلسلة الملفوفة حوالين رجلهم يفتكروا انهم مش هيعرفوا يهربوا ولا حتى في احلامهم..
المفاجأة ان أول لما الحراس لبسوا اللبس الرسمي بدأ يبان تغيير كبير في شخصياتهم، وفرضوا قوانين تعسفية كتير جدًا من نفسهم على المساجين، والغريبة ان المساجين معترضوش..
اليوم الأول في البداية مشي عادي وسلمي الى حد ما لحد الساعة 2:30 بعد منتصف الليل لما اتفاجئ المساجين بصفارات عالية جدًا صحتهم مفزوعين من نومهم، واتفاجؤوا ان الحراس صحوهم عشان يعِدوهم ويفتشوا الزنازين، والموضوع منتهاش لحد كدة كمان طلبوا منهم انهم يعملوا تدريبات رياضية شاقة ومنعوهم من العودة للنوم.
الموضوع كمان اتطور لاهانات لفظية وتنمر بشكل كبير جدًا، وده أدى ان المساجين ياخدوا موقف.
المساجين حطوا السراير بتاعتهم ورا بيبان الزنازين عشان متتفتحش وقرروا الاعتصام، بس للأسف ده مستمرش لمدة كبيرة لان الحراس اقتحموا الزنازين بالعصيان وطفايات الحريق، ووصل الامر للاعتداء الجسدي الشديد على المساجين وتجريدهم من كل ملابسهم كعقاب ليهم..
انت متخيل عزيزي القارئ ان دول مجرد بشر عاديين زيي وزيك، وعارفين ان دي مجرد تجربة؟
الحراس واللي كانوا مجرد شبان عاديين جدًا ومعندهمش أي مشاكل نفسية اتحولوا مع السلطة لأشخاص تانية، كل همها الايذاء وممارسة العنف..
والمساجين نفسهم كان بدأوا ينسوا ان دي تجربة، ويتعاملوا انهم فعلًا مساجين حقيقيين..
حتى (زمباردو) كان بدأ يصدق انه فعلًا مأمور سجن..
وفي الأيام الباقية، الايذاء اتطور لصور بشعة كتير فكانوا بيصحوهم في نص الليل وبيمنعوهم من النوم، ومنعوا الحمامات واجبروهم على استخدام دلو بس لحد ما بقت ريحة الزنازين لا تطاق، والمساجين ابتدا يظهر عليهم علامات نفسية صعبة جدًا، وأضربوا عن الطعام، وبدأوا ينهاروا واحد ورا التاني..
وفي اليوم السادس، وبعد ما الايذاء كان وصل لأقصى درجاته وبعد ما الكل اتأكد ان التجربة اتحولت لكارثة، (زمباردو) أمر بان التجربة تنتهي فورًا..
الغريب في الموضوع ان بعد انتهاء التجربة ومواجهة الحراس بأفعالهم، معظمهم انهاروا لما عرفوا حجم الأذى اللي سببوه، وقد ايه هما ممكن يتحولوا لأشخاص تانية تحت تأثير السلطة..
بس السؤال هنا: هو الشر فعلًا جزء من تكوينا وممكن نظهره في أي وقت لو الظروف سمحت بكدة؟
علماء النفس ومنهم (زمباردو) سموا الظاهرة دي ب Lucifer Effect أو تأثير الشيطان، وهي الأفعال الشريرة او السيئة اللي بيعملها اشخاص طبيعيين وفي العادي بيكونوا كويسين تحت تأثير ظروف وأوضاع معينة.
بس هل فعلًا الظروف ممكن تكون مبرر لان الانسان يظهر الجانب البشع من شخصيته مع أول فرصة؟
وهل السلطة المفرطة فعلًا ممكن تغير أي حد، وتسبب ان الانسان يتحول لوحش بين يوم وليلة؟
يا ترى انت عندك إجابة للأسئلة دي، عزيزي القارئ؟
وتخيل، لو انت كنت مكان الحراس في التجربة دي، كنت هتتصرف ازاي؟
تعليقات
إرسال تعليق