أسطورة النداهة

 

حاول القمر جاهدًا كسر عتمة الليل الموحشة. الليل الذي تتناغم فيه أصوات البوم وصراصير الحقل في سيمفونية تكاد تنافس سيمفونيات بيتهوفن.

ووسط كل هذا، يأتي صوت من بعيد، تكاد تميزه في البداية فهو أقرب الى الهمس، لكنه يرتفع بالتدريج حتى تسمعه واضحًا جليًا. نعم انت لا تهذي، انه ينادي باسمك.

شيء ما بداخلك يجبرك على الاقتراب منه رغم معرفتك التامة بأن كل خطوة ستأخذها تجاه ذلك الصوت هي خطوة أقرب الى الموت، ومع ذلك تقترب ولا تعلم بشاعة الجحيم الذي ينتظرك.

وعندما تصل الى مصدر الصوت ترى امرأة فاق جمالها كل شيء قد رأته عيناك يومًا، ذلك جمال يأخذك الي عالم آخر. عالم ملئ بالجمال الملفوف بسحر الغموض.

وتتساءل لوهلة، أهي ملاك قادم من السماء لتنير عتمة الأرض بفستانها الأبيض النقي، وشعرها الأسود الذي يطغى على جمال السماء في الليل!

وفجأة يحدث شيء يجعل كل شعرة في جسدك تنتصب، وتشعر أن أحدهم يضيق بأصابعه على رقبتك، ساحبًا كل الهواء من رئتيك، ومع ذلك تظل ساكنًا، وكأن كل عضلة في جسدك أصبحت تحت إمرة ذلك الكائن.

فخلف ذلك الوجه الملائكي الذي سحب أنفاسك، كان يتربص شيء فاق أبشع كوابيس طفولتك، انه الشيطان نفسه قادم ليجرك معه الى الجحيم.

تلك الأسطورة التي توارثناها جيلًا بعد جيل.

نعم عزيزي القارئ، إنها أسطورة النداهة والتي أكاد أجزم ان هذه ليست المرة الأولى التي تسمع فيها هذا الاسم، وربما قد نثر الرعب في جسدك يومًا وجدتك تقص عليك حكاية الغولة التي أغوت شباب القرية نحو قدرهم المحتوم...

النداهة... الأسطورة المصرية الشهيرة اللي نشرت الرعب في وجدان أجيال متتالية. الأسطورة اللي انتشرت في الريف المصري في قلب الغيطان وعلى ضفاف الترع...

بيقولوا عليها انها بتاخد شكل سيدة جميلة، بتاخد عقل أي حد ممكن يشوفها بشعرها الأسود الكثيف، وفستانها الأبيض الطويل. بتختار شخص تعيس الحظ وبتندهه باسمه، والشخص ده مهما حاول مبيقدرش يقاوم اغراء صوتها، والحكاية دي مبتنهيش غير لما الشخص ده يفقد حاجة، والحاجة دي ممكن تكون عقله، أو في أغلب الوقت حياته..

المهم ان الشخص ده مبيرجعش تاني، ولو رجع بيكون جسد خاوي من غير عقل...

النداهة حكاية سابت تساؤلات وعلامات استفهام كتير وراها، يا ترى ايه اللغز ورا الكائن ده؟

يا ترى الحكاية دي اختلقها المصريين في فترات زمنية صعبة، عشان يدّاروا جواها من أحداث تانية دموية وبشعة كانت بتحصل في نفس الوقت؟

ولا النداهة كانت ستار لسلسلة جرائم بشعة تمت على ايد بشر زينا زيهم؟

أو ممكن النداهة كانت فعلًا حاجة أكبر من كدة بكتير.. حاجة صعب ان عقلنا البشري يلاقيلها تفسير..

الغريب ان في حكايات وأساطير كتير حول العالم تشبه النداهة لحد كبير جدًا..

وأقربهم لينا حكاية (عايشة قنديشة)، أسطورة من التراث المغربي. وهي امرأة جميلة بتحوم حوالين ضفاف النهر وبتستنى الأشخاص اللي بيجبرهم الحظ التعيس انهم يقربوا منها، وبعد كدة بتتحول لوحش شرس بينقض عليهم وبيكون مصيرهم الأبدي تحت المياه..

(لا يورونا) أو المرأة الباكية، أسطورة من الفلكلور المكسيكي، بيقولوا انها سيدة روحها اتمنعت من الصعود للسماء لانها اتسببت في غرق أولادها. فبتفضل تلف على ضفاف النهر وتعيط، واللي بيقرب منها بيلاقوا جثته تاني يوم على هيئة أشلاء مبعثرة..

أسطورة السيرين او Sirens، وهي من الميثولوجيا اليونانية. بتتوصف على انها حورية بحر جميلة بتغوي البحارة بغناءها الساحر، ولما بيقربوا من مصدر الصوت، بتقوم باغراق سفنهم وبتجرهم للهلاك الأبدي..

وأسطورة (كوشيساكي أونا)، أو المرأة ذات الفم المقطوع. حكاية من التراث الياباني عن سيدة كانت جميلة جدًا واتقتلت على ايد زوجها اللي كان بيتهمها بالخيانة. بس قبل ما يقتلها شوه جمالها بانه شق فمها من الاذن للأذن. فبيتحكي عنها انها بتلف المدن بالليل وهي حاطة كمامة على وشها. وبتسأل اللي بتقابلهم سؤال "أنا جميلة ولا لأ؟"

لو كانت اجابته اه، بتشيل الكمامة وتسألة تاني، لو صرخ أو كدب وقال اه برده، بتقتله بطريقة بشعة، وبتشق فمه بنفس الطريقة عشان يكون شبهها.. ولو جاوب بلأ، فبتسيبه يمشي، بس للأسف برده مبتكونش الإجابة الصحيحة لانها بتتبعه لبيته وبرده بتقتله في نفس الليلة.

الغريب من كل الحكايات دي ان الشبه بينهم قريب جدًا وكلهم من تراث قديم وبعضهم عمره بيزيد عن آلاف السنين، فازاي كان بينهم الشبه المريب ده؟

وازاي نقدر نفسر كل الضحايا اللي اختفوا او فقدوا حياتهم في ظروف غامضة ومشابهة لبعضها؟

طيب، وكل الشهود اللي قالوا انهم سمعوا النداهة، ونجوا من اغواء صوتها بأعجوبة؟

الأكيد ان في حاجة ألهمت كل الحكايات دي، حاجة كانت في فترة وزمن من الأزمان حقيقية جدًا...

وفي النهاية، شاركنا برأيك عزيزي القارئ وبتفسيرك لأصل الاساطير دي..

'شيء من بعيد ناداني وأول ما نداني، جرالي ما جرالي...'



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ريتشارد راميريز: المتعقب الليلي

رعب فندق سيسيل - الجزء الثاني